مجرمة

كان الرمل محشّى بين شعري وأصابعي وأسناني وأنا في الزنزانة، لأنني مسست بالأمن القومي واحتجت الى تأديب، أنا وشركائي.

ونحن نعود من شط صور الى بيروت، استعملنا سيارة أمي للتنقل. رجا السائق، بجانبه أحمد ووراءهما على المقعد الخلفي، كنا أنا وأبو علي.

على يمين طريقنا قبل حاجز القاسمية، تمركزت مركبة حديدية لفصيل كوري من اليونيفيل. حيّاهم أحمد (حياه الله). اغتظت أنا ومددت لهم إصبعي الأوسط من داخل السيارة، بهدف التعبير عن رأيي وإيصاله لهم.

مدّ الأصبع الأوسط، “البعصة”، شكّل قضية تعبير عندي، وأفهم أن يشكل قضية أخلاقية عند البعض الآخر لأنه عيب، ولكنني لا أفهم أن يكون الأمر جريمة أمنية تقتضي التوقيف.

ما علينا، بعد دعستي بنزين وصلنا الى حاجز القاسمية، فطلب منا الجندي أن نبرز أورارقنا الثبوتية. كان قلقاً. فذهب إلى الثكنة/المعمورات التنكية وراءه. وعاد ليطلب مني أن أزور معه الملازم. خير؟ لقد أبلغ حاجز اليونيفيل حاجز الجيش بأني بعصتهم. دخلنا. الملازم شاب جغولية يلبس فانيللا بيضاء ويصرخ وينطح. سأل كيف أبعص الكوريين والجيش اللبنانيّ معاً. عندها، علمنا أنّ بجانب المجند الكوري، كان يقف جيشي لبناني لم نره. أصبحنا أصدقاء مع الجندي اللبناني الصغير واللطيف قبل دخولنا الزنزانة.

صرخ الملازم، فصرخت بدوري. طلبت ألاّ يصرخ، قلت إننا لم نرَ الجيشي اللبناني وطلبتُ محامياً. قلت إنني كنت أعبّر عن رأيي من داخل سيارتي ولم أتعرض للجنديين ولم أرهبهما لا معنوياً ولا جسدياً. ما قلت لا يهم، المهم أنني صرخت في وجه ملازم. في هذه الأثناء، قرر رجا أن يبقى معي. ودافع بهدوء عن الرأي القاضي بأنّ الأمر حرية تعبير ولا يستاهل التوقيف. لذا ولأنه رجّال سمح لي برفع الأصبع الوسطاني، كان عقابه عسيراً، أعسر مني.

كتب الملازم فينا محضراً، ووافقه على ذلك ضابط أعلى منه. الضابط الأعلى قال لنا، “لو كنتم أخذتم صوراً لكنّا محيناها، ولكان الأمر أسهل من تلك الحركة التي قمت بها بأصبعك الأوسط.” طلبتُ منه كلبنانية يهمها أمنها الشخصي أن يحاسب من يصور، لأنّ بعض الصور قد تضر حقاً بالأمن القومي، ألم يسمع بالعُمَلة الاسرائيليين الذين عَثر عليهم شركاءه في حفظ الأمن؟

لا أفهم كيف أنك في لبنان تتفركش بمهربي المخدرات وبائعي الأعضاء والمتاجرين بالأطفال والمجرمين الصغار والكبار والقاتلين والقاتلات ولكن هناك وقتاً لثلاث مرافق أمنية لتنهمك يوم كامل بأمري كوني بعصت اليونيفيل الكوري. هل من المفترض أن أشعر بأمان أكثر الآن؟ وبحرية أكبر؟

بعد المحضر رحنا بالجيب العسكري الى ثكنة قرب مخيم فلسطيني. الثكنة عبارة عن غرفتين وسط حرج. مكثنا في الجيب. ضحكنا مع العساكر حارسينا. سبوا هم الضباط الكوريين لأنهم يدققون على الكبيرة والصغيرة ويسببون بقضائهم وقت إضافي في الخدمة. وبين العسكر، تعرفنا إلى الصبي العسكري الذي وقف بجانب الكوري وبلّغ عنا. كان لذيذاً. أمامنا كان ملعب يلعب فيه الشباب كرة القدم. تفرجنا وانتظرنا الى حوالي الساعة الثامنة. كان رجا يريد التبول.

بعد ساعة، سارت المركبة إلى ثكنة ثانية. ثكنة صور: هي ثكنة حقيقية وليست غرف تنك وأخرى عمّرت على عجل. فيها زنزانات حديدية مستوفة وغرف تحقيق ومحقق كان أول الأمر بالشورت الأزرق والفانيلا البيضاء. عندما رآنا وتكلم معنا غير ثيابه بسرعة ومشّط شعره، بتأثير المهنية أو تأثير الشورت الأبيض.

استقبلنا المحقق ب. ف. ومعاونه. أول الأمر تركنا في المركبة حوالي نصف ساعة. تعذيب. ثم أنزلنا الى التحقيق. وأخرج أغراضنا. كان لدي بطاقة للمونديال من يونس. سأل ما هي، فطلبت أن يأخذها، عصّب. لم يعرفوا أيضاً ما هي الـ أي بود، لم أطلب أن يأخذها بطبيعة الحال! اكتفيت بشرح ما هي.

وبما أننا مجرمو بعص، طلب من رجا أن ينزل شورته. أخبرته بأنّ لا شيء تحت الشورت، لأنه أصلاً مايوه ولأننا كنا في البحر. لقط المحقق هذه الفكرة وبسرعة بديهة سأل ما عرّفني أنا. أنا البنت. هذا كان اللغز الذي لم يفكه الملازم بسام حتى الآن. خلال التحقيق سأل ان كنت مارست الجنس مع رجا. ما دخله؟؟ أيحق له؟ أنعيش نحن في بلد يحق لمحقق أن يسألني ما فعلت خلال وقتي الخاص؟ خاصة إن كان جرمي لا يتعلق بوقت سابق، أي أنني لم أخطط لبعصتي خلال الوقت السابق للجريمة.

أراد المحقق أن يتأكد أنني لم أمارس الجنس، قال المحقق وهو يلوي فمه إنّ الملازم قال إنني كنت في المقعد الخلفي من السيارة. وهذا مريب. جاوبت أننا كنا أربعة في السيارة!

أما رجا فتهمته الحقيقية أنه كان معي، أما على الورق فأوقفوه لانه أجنبي لا يحمل سوى بطاقة سواقته، أي أنه لا يحمل جواز سفره. علماً أننا طلبنا أن يسمحوا لنا بالاتصال بالأهل لإرسال الأوراق القانونية لرجا لكن المحقق رفض. لم يسمحوا لنا بالاتصال قط. سمح لي المحقق بالاتصال بأمي بعد أن حاكى القاضي في الثكنة العسكرية وأصدر الآخر حكمه بالسجن حتى الصباح لي وبترحيل رجا الى مغفر الزرارية. وحين سمح لي المحقق باجراء الاتصال، بان وكأنه يفعل ذلك خلسة، كخدمة. الله يخليه. أحقاً لا يحق لنا الاتصال بأهلنا؟

عندما ذكرت أني أكتب وعندما استشبه باسم عميد متوفٍ يحمل كنية عيلتي، وقلت له إنّ الراحل عمي، ولأني فتاة “ضعيفة” و “أحتاج للعون” وربما “التربية” لان المحقق العزيز ورفيقه، وأراد أن يساعدني، الله يخليه.

كان يتحدث معي ومع رجا برقة وتفهم عندما نكون سوياً. بالطبع عندما يكون مع رجا وحده، كان يجره من كتفه. وحين أخذه بالجيب الى مغفر الزرارية وضع له الكلبشة ثم نسي أين المفاتيح، ثم أجلسه على الأرض وراح ينط فوق المطبات. الله يخليه.

أنا قضيت الليلة في سجن ثكنة صور الخالي من المجرمين ما عداي، بثياب نشفت على جسمي. رجا قضاها في زنزانة مع صراصير. للظباط، لجيش لبنان العظيم، معارفي الجدد، رغم الذي حصل معي، لا أحب أن أعتقد أنكم تقضون أيامكم تستقوون بمراكزكم منشغلين، من على دباباتكم، بحركة تعبيرية قد أقوم بها في أي دولة تحمي حرية التعبير دون أن أمس. جبهة الجنوب تحتاجكم، والجبهة الداخلية تتلاعب فيها المافيات، أولئك الكبار. حركتي اليدوية لا تهدد بأي عنف أو خطر، لا تحمل أي تأويل، ولا يأبه لها أي جيش يحمي بشرف تضحية ووفاء، وآسفة أني شغلتكم يومين عن الأمن القومي، وكمواطنة، عن أمني!

فيد صوت النسوة أن مقالة “مجرمة” المنشورة بتاريخ 19 تموز2010 تعبر عن مجموعة قصص شخصية حصلت مع أكثر من شخص وكتبت في شكل حادثة واحدة – اقتضى التوضيح.

 

Publisher: 

Sawt al' Niswa

Section: 

Featured: 

Popular post

Our portfolio

We wouldn't have done this without you, Thank you Bassem Chit - May you rest in power.

Copy Left

Contact us

Contact Sawt al' Niswa via:

You can also find us on: